الجمعة، 14 مايو 2010

دكتوراة في المشاعر الصادقة


توقف الزمن كله فجأة عندها .... صوت زوجها الذي يتحدث معها !
حركة أطفالها وصخبهم من حولها !
شاشة التلفاز التي تعرض برنامجا مفضلا لديها !
بل لقد توقفت الأنفاس ... والحركات ... والسكنات .... والكلمات ... والنظرات ... عند تلك الصفحة من الجريدة التي استسلمت بين يديها .
لحظات من الصمت ... ثم عادت الحياة من جديد إلى كل شيء حين رفعت بصرها مذهولة نحو زوجها الذي خاطبها متذمرا :
- (ما بك يا نورة ؟؟ أكلمك ولا تردين !)
- (لا يمكن لا أصدق ! مريم محمد عبد الله ! سبحان الله !)
- لم يتمالك أحمد نفسه من ضحكة قوية انتابته .. أما نورة فقد عادت لا مبالية به ترمق بنظراتها صفحة الجريدة مرة أخرى ..
وبكلمات يحاول فيها كتمان بقايا ضحكته سألها زوجها أحمد :
- (أولا : من مريم محمد عبد الله ؟؟
ثانيا : ما الذي لا تصدقينه؟
ثالثا : ما بك تحدقين في الجريدة بهذه الصورة الغريبة المضحكة؟؟)
التفتت نورة إليه وطالعته بنظرها مرة أخرى ولكن في هذه المرة بعينين اغرورقتا بالدمع !!
هنا بادرها أحمد بالكلام :
- (آسف يا حبيبتي ! هل هذه صفحة الوفيات ؟؟
لعل صديقتك مريم توفت؟
لا حول ولا قوة إلا بالله ، كلنا لها يا نورة ، أنت إنسانة مؤمنة و...)
- (على رسلك يا أحمد !! أنا لا أبكي لوفاة صديقتي ! وليس لي صديقة اسمها مريم من الأساس !! ثم هذه ليست صفحة الوفيات !!!)
انتقلت حالة الذهول إلى أحمد الذي أخذ ينظر إلى زوجته مستفهما عن حقيقة الأمر
ووسط صمت حقيقي هذه المرة استطردت نورة كلامها :
- (مريم هي إحدى طالباتي اللاتي درستهن في المرحلة الاعدادية ، لقد فازت بوسام التميز العلمي لهذا العام عن رسالة الدكتوراة التي قدمتها بعنوان : ( نحو مراهق فعال في المجتمع ))
تنهدت نورة وتنفست بعمق شديد وكأنها تسحب أنفاسها من جوف بئر ! ثم أكملت كلماتها والدموع حبيسة عينيها :
- (الغريب أن مريم كانت فتاة مشاغبة يشكي منها كل من يعرفها : أهلها وزميلاتها ومعلماتها وإدرة المدرسة بل حتى الجيران لم يسلموا من شرها !!
بل لقد سمعت بنفسي من هؤلاء من يدعو عليها ويتمنى الخلاص منها ...)
توقفت لبرهة ثم أكملت وقد رسمت ابتسامة وردية صادقة على شفتيها :
- ( لكني رغم كل ما كان يقال عنها كنت أرى فيها صورة أخرى ربما لم يكتشفها معظمهم !
- صورة الفتاة المبدعة النشيطة القيادية التي تمتلك من المواهب والقدرات – بفضل الله – ما يمكنها أن تتميز على كثير من قريناتها ، المشكلة أنها لم تجد ذلك الحضن الدافئ الذي يحتويها ويستمع إليها !
لكن ....)
هنا لم تستطع دمعاتها أن تقف رهينة عينيها أكثر من ذلك فانحدرت على وجنتيها لتغطيها نورة وتغطي وجهها كله بكفيها وتجهش بالبكاء وتسقط الجريدة أخيرا من يديها على الأرض !
لم يفهم أحمد إن كانت نورة تبكي فرحا أم حزنا
لكنه التقط صفحة الجريدة التي تحمل السر في كل ما حدث وأخذ يقرأ تلك الصفحة التي بللتها الدموع :
( أحمد الله على توفيقه لي وأهدي نجاحي لمعلمتي الغالية ومربيتي الفاضلة نورة حسن والتي وقفت معي – بعد الله تعالى - وأخذت بيدي حين كنت مراهقة تتلاطم بي الأمواج وتعصف بي عواصف الحياة .
لقد علمتني الصدق في قولي وفعلي والأهم من ذلك كله : في مشاعري !!
علمتني حب الله وزرعته في قلبي حبا صادقا عذبا ..
ومن منطلق حبي للخالق أكملت مشواري بنجاح مع جميع الخلائق ..
رغم كل الصعاب... والعوائق ..
فأقول لها ولكل معلم مخلص ... ومرب فاضل :
لن ننساكم أبدا من دعائنا
وكل نجاح لنا هو نجاح لكم
فطوبى لكم .. وطوبى لجيل ربيتموه على مكارم الأخلاق .. وطوبى لأمة أنتم فيها ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير))

هناك تعليق واحد:

  1. اختي الغالية المهاجرة مبارك مدونتك الجديدة قصة مؤثرة جدا اين نجد مثل هذه المعلمة ذات القلب الحي في زمن انعدم فيه امثالها الا القليل القيل جدا من المعلمات ذات القلوب الحية من امثالك سلمت يمناك على هذه القصة المبدعة
    احبك في الله اخيتي

    ردحذف